الخميس، 30 أكتوبر 2008

ثلاث نظريات لتحديد العقل


















  • ثـلاث نظـريـات لتـحديـد العقـل
    تنشيط التفاعل الإنساني لجميع العقول المفكرة في العالم لغاية جوهرية هي تحديد مصدر الحروب من خلال تطور العقل البشري والتوجه الدائم عبر التاريخ نحو امتلاك السلاح وإقامة الجيوش وعدم التوصل إلى حل مشكلة الحروب واستمرارها عبر العصور .
    فالتعامل المعرفي لواقع المعطيات التاريخية وتحديد ماهية الحروب وتوجيه الوعي الإبداعي لفهم الأسباب الأساسية لها ، فعلى الرغم من معرفة ماهية العقل في تكوين وعيه استمر الخلل في العلاقات الإنسانية وأساليب تفاعلها وتعاملها مع واقع وجودها الأرضي ، وكأن الخلل في بنيتها لا نهائي بالرغم من معرفته وتحديد أسبابه ومؤثراته على وجود الإنسانية بالذات .
    ويمكن أن نحدد ثلاث نظريات لوجود العقل نتعامل من خلالها على أساس بنيتها ومعلوماتها حول تحديد وتكوين العقل المفكر والمبدع ومعرفة النوازع الإنحرافية في عطاءاته .
    تمثل النظرية الأولى طريقة تكوين العقل وتفاعله مع ذاته ومع واقعه المصمم للعيش ضمنه ومن خلاله كإطار لعلاقات تبادلية بين الإنسان والإنسان وبين الطبيعة التي تحتويه ، وهو في غايته كوجود له دوافعه الماورائية في تحديد العلاقة بين الكونية والعقلية وتلازم وجودهما مع قضية الخلق الإلهي . فالإنسان كوجود محدد مفبرك لأداء أدوار كيفما كان شكلها وجوهرها مرسومة بدقة ومسطرة على لوح محفوظ ، تعطي الإنسان وجوده وتراقب سلوكه وتفاعله مع واقعه ، ومع معطياتها المعرفية لتكون ملاذاً له وقت الحساب لأنها تدرك عفويته وشروره الضمني وأساس تكوينه المجبول على قدرته الفائقة لتحمل العذاب والتخلص منه فالإنسان هو الناتج الجزئي عن العقل الكلي ، ثم تصميمه على أساس التنوع ، فيه من الألوان التكوينية ما لا يمكن حده ولا تحديده لأنه ثمرة خلطة تم انتقاءها عشوائياً ، مما أعطاها تكويناً مماثلاً لتنوعها وانعكاس مكوناتها على شخصيته وعقليته ، فالشكل المتباين والمتنوع للوجود البشري هو ناتج عنها تعطيه لون البشرة وتنوع المظهر والعقل وكل ما يحتويه الإنسان شيء مختلف عن غيره ومتوافق معه في الوجود والعطاء والتفاعل ، وكل ما يحمله الإنسان متميز في الصفات والوعي ، إنه تنوع خارق في وسط خارق التعقيد تم تصميمه بدقة فائقة لمعرفة المعطيات والنتائج التي يفرزها الكائن البشري كشكل مرادف لطبيعته الإنسانية ، فإن كان عطاءه خيراً نال خيراً وإن كان شراً ينال شراً ، فالعمل الإنساني الموجه عقلياً هو المعيار النهائي لوجوده والتعامل معه كمقياس لتوافقه مع معطيات خالقه ومدى تجاوبه مع هذه المعطيات .
    أما النظرية الثانية لتحديد ماهية العقل تقول : بأن العقل قائم بذاته ولذاته ومن أجل ذاته إن قدرته الضمنية قادرة على إبداع خصوصيته بتفرد ، فالوجود المتطور للعقل ثمرة نموه الطويل ، فهو قادر على إدراك مبتغاه في وجوده المتمايز في أساس قدرته على إنتاج الإبداع وفق ما يحقق ذاته ، فالكينونة العقلية هي كينونة نامية باستمرار على أساس تطور الأفكار والسلوك الإنساني هو سلوك عقلي ، لأن العقل هو ثمرة جهده ويعمل كي يغذي التفوق في وجوده ويعمق آليته السلوكية بناءً على معطياته . فالعطاء العقلي يؤدي إلى العطاء الإنساني وتنوع العطاء العقلي يغذي تنوع السلوك البشري ، فالانحراف يعني وجود خلل عضوي في بنية العقل ، وعدم توازن السلوك ناتج عن عدم توازن العقل ، وهو مصدر الشخصية والطاقة الإنسانية .
    والعقل في قدرته هو قوة التغيير ومعرفة ماهية المعرفة والأفعال إنه كلي القوة والإمكانية في توجيه السلوك وخلق معطيات جديدة نابعة من وجوده ، فلو لا وجوده لكانت الأفعال تلقائية وغريزية غايتها الأولى والأساسية تامين البقاء والتواصل النوعي .
    فالعقل نتاج عالي التعقيد والتمايز والتطور جعله يدرك ذاتية الأشياء وأهميتها وغايتها ، وسر وجودها بناءً على تتابع اكتشافاته وإبداعاته المستمرة عبر التاريخ فهو الصورة المتنامية وفق تنامي عطاءاته ، إن وجوده المستقل أبدع ذاته وخصوصيته وقام بتوجيه الحياة وفق إرادته .
    تحدد النظرية الثالثة للعقل بأنه صيرورة متلازمة مع الصيرورة في تأمين مكوناته الفكرية فهي التلازم بين الواقع وما يعكسه الواقع للعقل من مفاهيم وأفكار تتحدد ماهيتها وفق ماهية العلاقات الإنتاجية في أي عصر من العصور ، فالعقل هنا محدد وفق واقع الإنتاج والعلاقات الناتجة عنه بحيث يتزامن نمو العقل مع نمو الواقع الاجتماعي في تركيبته البنيوية المبنية على أساس طريقة استغلال الخيرات المادية . فليس للعقل وجود مستقل ما دام مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع المعاش ، أنه طاقة الانعكاس الشمولية للواقع بجميع تركيباته الأساسية المعلنة والمستترة ، فالعقل ينطبق بأفكاره وفق الحاجات الملحة للمجتمع فهو بهذا المعنى يمثل عقلاً نضالياً يقود الواقع نحو هدف محدد غايته إدراك وإنشاء واقع أفضل ، مستغلاً الخلل الحاصل في التركيبة العامة لبنية المجتمع في إطار طريقة وأسلوب الإنتاج ، فالعقل هنا يتصف بقدرته على الخلق العملي بمعنى إحداث صيغ إنتاجية جديدة يترافق مع نمو علاقات جديدة ، والعقل ضمن هذا الأساس يتعمق في المفاصل البنيوية للمجتمع لأنه قادر على متابعة تكرار ذاته إذا استمر الواقع الإنتاجي على تكرار ذاته ، وعندما يخرج الواقع من عالمه المؤسس كأساليب إلى أساليب إنتاجية أخرى يخرج العقل المرافق له من أساليبه الفكرية إلى أساليب جديدة تتطابق مع الواقع وتعطيه خصوبته وقدرة الثبات والمتابعة .
    لقد حددنا ثلاث نظريات أساسية لمنشأ العقل الإنساني وأساليب تعامله وتفاعله مع نفسه والوجود بما يتناسب مع هذه النظريات والمجرى التاريخي لتطور العقل وتوثيق صلاته مع قضاياه وقضايا الوجود المحيط به ليكتمل التفاعل وتتعزز القدرة على إحداث أنماط جديدة من الفكر البنيوي قادر على كشف كل ما يحيط الوجود من معيقاته تحد من نمو العقل وقدرته على الإبداع والتواصل الإنساني عبر التاريخ .

    حسين عجمية ___ ansaroz56@gmail.com












ليست هناك تعليقات: